يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحدثه من اضطراب
اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية.
مقدمة:
يُعد القانون الجنائي من أهم فروع القانون الذي يهدف إلى حماية المجتمع من السلوكيات الخطيرة والمضرة، وذلك من خلال تجريم أفعال معينة وفرض جزاءات على مرتكبيها. وتُعبر هذه المادة القانونية عن المفهوم الجوهري للسياسة الجنائية، حيث تجعل من الاضطراب الاجتماعي معيارًا لتجريم الفعل، وتُعطي للمشرّع وحده سلطة تحديد الجريمة وتقرير العقوبة أو التدبير المناسب.
أولاً: الأساس القانوني لتجريم الأفعال
تنص المادة على أن التشريع الجنائي هو الذي يحدد أفعال الإنسان التي تُعد جرائم، مما يعني أن مبدأ الشرعية الجنائية حاضر بشكل واضح. ويُقصد به أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني سابق، أي أن الفرد لا يُسأل جنائيًا إلا إذا خالف نصًا صريحًا في القانون.
وهذا يتماشى مع قاعدة دستورية أساسية في الأنظمة القانونية الحديثة، تضمن الأمن القانوني وتحمي الأفراد من تعسف السلطة.
ثانياً: الاضطراب الاجتماعي كمعيار للتجريم
تربط المادة بين الفعل المُجرَّم وبين ما يحدثه من “اضطراب اجتماعي”، وهو معيار ذو طابع اجتماعي وسياسي في آنٍ واحد.
فالغاية من التجريم ليست فقط المعاقبة، وإنما حماية النظام العام والأمن والاستقرار.
بالتالي، لا يُجرَّم الفعل لأنه غير أخلاقي أو مرفوض دينيًا فقط، بل لأنه يُشكل خطرًا فعليًا على تماسك المجتمع، مثل:
- القتل، لأنه يُهدر الحق في الحياة
- السرقة، لأنها تهدد الأمن الاقتصادي للأفراد
- الرشوة، لأنها تُقوض الثقة في مؤسسات الدولة
ثالثاً: العقوبات والتدابير الوقائية
تُقرر المادة أن مواجهة الجريمة لا تتم فقط بالعقوبة (زجر)، بل أيضاً بـ التدابير الوقائية.
وهذا يعكس تطورًا في السياسة الجنائية الحديثة، حيث لم تعد الغاية هي العقاب فقط، بل منع تكرار الجريمة ومعالجة أسبابها.
- العقوبات تهدف إلى الردع والزجر (مثل السجن أو الغرامة)
- التدابير الوقائية تهدف إلى الحماية والإصلاح (مثل العلاج الإجباري، أو الإيداع في مؤسسة تأهيل)
خاصة في حالات الجناة الخطرين أو من لديهم ظروف نفسية أو اجتماعية خاصة.
رابعاً: أهمية هذه المادة في السياسة الجنائية
تُعتبر هذه المادة حجر أساس في فهم الفلسفة الجنائية الحديثة، لأنها:
- تؤكد على دور المشرّع في ضبط الجريمة وتحديدها
- تبرز العلاقة بين الجريمة والاضطراب الاجتماعي
- توازن بين العقوبة والتدبير الوقائي
- تُوجه القاضي والمشرّع والسلطات نحو حماية المجتمع كغاية أساسية للقانون الجنائي
خاتمة:
تُعبر هذه المادة عن جوهر القانون الجنائي، الذي يقوم على حماية المجتمع عبر تحديد الأفعال المُجرّمة ومحاسبة مرتكبيها، ولكن دون تعسف، بل وفق مبدأ الشرعية، وبما يراعي التوازن بين الردع والإصلاح. وهي تذكرنا بأن الغاية من القانون ليست فقط إنزال العقاب، بل تحقيق العدالة، وضمان الأمن، وصيانة كيان المجتمع.